من اخطر ما يمكن تصوره هو تسييس جبهات الحرب عموما وجبهات الحدود خصوصا..
في الحروب الوطنية ضد الغزو الاجنبي كما في اعمال المقاومة ضد الاحتلال يفترض ان يكون لديك أهداف واضحة ومحددة كإخراج قوات الاحتلال من ارضك عموما او أهداف مرحلية كالسيطرة على المنطقة الفلانية لما لها من تأثير في تحقيق الهدف العام والتقريب منه واذا ما حدد الهدف تبدا الإعدادات وتوفير كل ما يحتاج الهدف لتحقيقه ومن ثم تسخير كل الامكانات العسكرية واللوجستية لتحقيق هذا الهدف.
وفي هذه الحالة توظف السياسة وغير السياسة لتحقيق هذا الهدف العسكري والوطني وليس العكس ولا تكون قد سيست أهدافك الوطنية وطرحتها للمساومة ما يعني انك قد وظفت القضية الوطنية لاهداف ومصالح انية وتكتيكية الامر الذي يلحق بك وبقضيتك أفدح الأضرار ويجعلك محلا لابتزاز عدوك وبما يكلفك اكثر ويطيل فترة الاحتلال اكثر وقد يصعب عودتك اصلا الى النقطة التي توقفت عندها او تخليت عنها.
وللتوضيح اكثر لنفترض ان اجتماعا يعقد الان في جدة لمناقشة الوضع في نجران او في الحدود السعودية والحرب على اليمن عموما وفي نفس الوقت او قبل ذلك لديك انت خطة جاهزة للسيطرة على نجران او اي منطقة حدودية او غير حدودية اخرى تكون قد حددتها سلفا ضمن أهدافك الإسترتيجية والمرحلية فان السؤال الذي سيطرح نفسه هنا هو هل تخضع بدء معركة نجران لاجتماع جدة وما سيسفر عنه من نتائج سلبا او يجبا على سير معركتك ففتوقف او تواصل الخطة وفقا لما تكون عليه نتائج الاجتماع وهذا هو التسييس بالضبط.
ام تواصل خطتك في معركة نجران حتى تحقيق هدفها في السيطرة على المدينة وبالتالي تضع الجميع والعدو قبل الصديق امام امر واقع رسمته انت سلفا سواء عقد الاجتماع او لم يعقد وسواء كانت نتائجه سلبية او إيجابية – وهي سلبية حتما في ما طرحناه كمثال.
لا ست متيقن ماذا كانا ثمة شيء من التسييس في حربنا الدفاعية والتحررية وضد العدو الغازي وماذا كان تحريك او تجميد الجبهات وتوقيتها او اطالتها يخضع لتقلبات السياسة ومد ارضائنا لهذا الطرف او خضوعنا لغيره ام ان الامر مجرد سوء تقدير واخطاء كبيرة او صغيرة وفقا لخطط عسكرية وعملياته غير معلنة ويجب ان لا تعلن ولكن اهداف الحرب يجب ان تعلن ويجب ان نقاتل لتحقيقها ونحشد كل الطاقات والامكانات العسكرية واللوجستية والسياسية والاقتصادية والأمنية وغير ا لتحقيق هذه الأهداف وبدون ذلك نكون عرضة للتسييس والابتزاز والتفريط والاختراق ورفع كلفات الحرب وإطالة مدتها.
يستطيع من لا اهداف معلنة له في الحروب الوطنية ضد الغزاة والمحتلين ان يحدد لشعبه كل يوم هدفا جديدا وان يصوغ لنفسه اي تنازل او تفريط او تباطؤ او تردد بل ويقنع نفسه بان ما حدث من هزيمة او خيانة إنما هو نصرا ومجدا كما عملت الأنظمة العربية المهزومة في حربي ١٩٤٨م و١٩٦٧م مع العدو الصهيوني حين قالت انها انتصرت على اسرائيل لان الأنظمة التي قادت الحرب لم تسقط لان هدف اسرائيل لم يكن هزيمة الجيوش العربية واحتلال الارض العربية بل اسقط الملوك والرؤساء العرب!
* طرح مثال اجتماع جدة مع معارك نجران لا يشير الى تسييس هذه جبهة الحدودية هنا أبدا بقدر ما أردت به – كمثال حي – لشرح مفهوم تسييس الحروب الوطنية وخطورته على القضية برمتها.